حكيم حرب يستذكر احلام المرحوم حسين نافع
الشاهين الاخباري
كتب المخرج الاردني حكيم حرب على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي متحدث عن فقيد المسرح الاردني الفنان الراحل حسين نافع وعن تفاصيل و أمنيات تمنى المرحوم حسين نافع تحقيقها لمستقبل أفضل للمسرح الاردني ….وقد كتب
كنت على وشك أن أنهي أربعين يوم من الحِداد على أخي الغالي “آوس”، وإذ بالموت يخطف صديق عمري الغالي “حسين نافع”، رفيق الدرب المسرحي الطويل، منذ أيام دراستنا معاً في كلية الفنون الجميلة في جامعة اليرموك عام ١٩٨٤، وحتى موعد رحيله المفاجئ والمفجع يوم أمس . فنحن نلتقي في جبل اللويبدة يومياً، ونبقى مع مجموعة من الأصدقاء المسرحيين حتى ساعة متأخرة من الليل، كان متحمساً لعقد مؤتمر حول المسرح الأردني، وكان قد جهز عدداً من النقاط والمحاور التي يود التركيز عليها خلال المؤتمر، وكان يعمل على إعداد نص مسرحي جديد لكافكا، ليقدمه في مهرجان الأردن المسرحي، وكان أيضاً يفكر في إعادة عرض مسرحية “كل هذا الحب”، المأخوذة عن نص مسرحية “الزوجات الثلاث الكاملات”، للكاتب الإسباني “اليخاندرو كاسونا”، والذي استند اليه فلم “أصحاب ولا أعز”، وكان منزعجاً جداً من أن مخرج الفلم لم يشر إلى ذلك، وكان يخطط للتقاعد من وزارة التربية والتعليم بعد سنتين، لكي يتفرغ تماماً للمسرح، كان يود ان يقوم بإخراج عدد من المسرحيات قبل أن يصل إلى سن الشيخوخة، كما كان يقول، وعلى الرغم من أنه قد سبق له وأن قام بتركيب خمس شبكيات في القلب، وأن الطبيب قد نصحه بالراحة والابتعاد عن التوتر والتدخين، إلا أنه كان منغمساً في ذلك إلى أقصى حد، كان المسرح مشروع حياته الوحيد، فهو لم يتزوج ولم ينجب الأطفال، كان العديد من الممثلات والممثلين الذين عملوا في مسرحياته، بمثابة بنات وأبناء حقيقيين بالنسبة له، لهذا يشعر غالبية المسرحيين اليوم بحالة من اليتم بعد رحيله الموجع والمباغت، فهو من كان يبادر بالاتصال لجمع المسرحيين كل يوم في أحد مقاهي جبل اللويبدة، وهو من كان يثير المواضيع والتساؤلات، ويشعل نار الحوار، ويثير زوبعة من الشكوك وعلامات الاستفهام، ويقترح عشرات الحلول والأفكار، مطالباً بمؤسسة للمسرح مستقلة مالياً وإدارياً، لكنه رحل ولم يتحقق له ذلك . ومطالباً بتغيير آليات المشاركة المسرحية الأردنية في المهرجانات العربية والدولية، ليكون أساسها العدالة، ومعيارها الإبداع، لعله يحظى بمشاركة يتيمة واحدة في حياته، ولكنه رحل ولم يتحقق له ذلك أيضاً . ومطالباً بربط مسرح الطفل مع وزارة التربية والتعليم، حتى يتحقق الهدف من وراء الانتاج لمسرح الطفل، ألا وهو مشاهدة طلبة المدارس له وليس الكبار، ولكنه رحل أيضاً ولم يتحقق له ذلك . كما وطالب بأن يكون مهرجان مسرح الشباب معملاً للتدريب والتجريب وليس وسيلة للكسب والتشغيل، ولكن لم يتحقق له ذلك . كما وطالب بخلق حالة مسرحية على مدار العام وفي كافة المحافظات، وأن لا يكون المسرح حكراً على المهرجانات لفترات زمنية محدودة، وأن يتم الاكتفاء بمهرجان كبير واحد في نهاية العام “على غرار قرطاج والقاهرة”، يجمع عروض مسرح الكبار مع عروض الشباب والأطفال، ويكون تتويجاً لحراك مسرحي طويل على مدار العام، لكنه رحل ولم يتحقق ذلك أيضاً . كما وطالب بتوثيق أعمال المسرح الأردني وتصويرها وبثها على شاشة التلفزيون الأردني، وعقد ندوات حوارية حولها بمشاركة الجمهور وباستضافة مخرج وأبطال العمل، لكي يتعرف المشاهد الأردني والعربي على المسرح والمسرحيين الأردنيين، لكنه رحل ولم يتحقق له ذلك أيضاً . كما وكان يحلم أيضاً بالتعاون مع كليات الفنون في الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك، لعقد ورش مسرحية للطلبة، بإشراف وتدريب عدد من المسرحيين الأردنيين المبدعين، دون اشتراط الشهادة العليا بالنسبة للمخرج أو المدرب، حتى يكتسب طلبة الفنون خبرات عملية من المبدعين المشتبكين عملياً مع الحالة المسرحية، لكنه رحل ولم يتحقق حلمه . كما وحلم أيضاً بفرقة وطنية للمسرح الأردني، ينضوي داخل إطارها عدد من المخرجين والممثلين والتقنيين المبدعين، بحيث يكون لهذه الفرقة ميزانية مستقلة على غرار الهيئة الملكية للأفلام، بحيث تتصدى للأعمال المسرحية الضخمة، وتقدم عروضها داخل وخارج الأردن، لكنه رحل ولم يتحقق حلمه أيضا . كما وكان يحلم بتفعيل العلاقة بين نقابة الفنانين الأردنيين ومهرجان جرش، بحيث يكون للمسرح الأردني حضوراً سنوياً كبيراً وفاعلاً في مهرجان جرش، وليس حضوراً خجولاً ومتواضعاً، لكنه رحل ولم يتحقق له حلمه . كما وكان يحلم بأن يُترك شأن المسرح للمسرحيين المبدعين، وأن لا يتحول موضوع الإنتاج المسرحي الى حالة تشغيلية أو تنمية اجتماعية، بل حالة ابداعية من حق المبدعين فقط، وان لا يتم الخلط في التقييم والمشاركة في المهرجانات وتحديد الموازنات بين المبدع وغير المبدع، ولكنه رحل ولم يتحقق حلمه هذا أيضاً . كما وكان يحلم بتفعيل دور السينما المعطلة والموجودة وسط البلد في العاصمة عمان، وتحويلها الى مسارح شعبية تقدم عروضاً مسرحية ترتقي بالوعي والذائقة، حتى لا يبقى المسرح حكراً على المركز الثقافي الملكي، لكنه رحل ولم يتحقق حلمه هذا أيضاً . وكان يحلم بدار للأوبرا وسط عمان ومدينة للثقافة تحتوي على مسارح ومكتبات وقاعات باليه، ومسرح في كل محافظة، والتشبيك بين وزارة الثقافة لجعل المسرح منهاج أساسي للطلبة منذ الصفوف الابتدائية الأولى وحتى التوجيهي، وكان يحلم ويحلم ويحلم…… الخ وعلى مدى أكثر من ثلاثين عام، ولم يتحقق شيء من أحلامه، وبقي موظفاً في وزارة التربية والتعليم، وينتظر أن تتم الموافقة له على نص مسرحي كل سنتين أو ثلاثة، لكي يتمكن من انتاجه وتقديمه في مهرجانات الأردن المسرحية، عاش بسيطاً ودوداً محباً حالماً قلقاً ومعطاءً، ورحل كذلك دون أن يتحقق حلم واحد من أحلامه التي تركها لنا لكي نحققها تكريماً له، فبالله عليكم ألا يموت الفنان قهراً وهو في عز شبابه وعطاءه، عندما يرى كافة أحلامة المشروعة والبديهية معطلة ومجمدة ومدمرة ومغتالة ومسحوقة؟؟؟؟؟ ألا يستحق هذا الفنان المثقف والنبيل والمبدع الذي أفنى حياته في المسرح دون طائل، والذي تعرض للأهمال والتجاهل والتعتيم عدة مرات، والذي لم يتم تكريمه في أي دورة من دورات المهرجانات المسرحية المحلية والعربية، ألا يستحق أن يتم تكريمه اليوم بطباعة كتاب عن أعماله المسرحية، أو تسمية مسرح أو قاعة تدريب أو مكتبة باسمه، أو انتاج فلم وثائقي حول سيرته المسرحية الإبداعية، والتي نهلت من روائع الأدب العالمي : لوركا، اليخاندرو كاسونا، كالديرون دي لا باركا، البير كامو، اوجست سترندبيرغ، أوسكار وايلد، مؤنس الرزاز وليلى الأطرش؟؟؟ ألا يستحق أن نتأمل لمرة واحدة حلم من الأحلام الكثيرة التي كان يأمل تحقيقها، ليس لذاته بل لأجل الارتقاء بوعي وذائقة الإنسان الأردني والعربي؟؟؟ أتمنى على وزارة الثقافة ونقابة الفنانين الأردنيين وكليات الفنون في جامعاتنا الاردنية ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون والقطاع الخاص المعني بالشأن الثقافي والفني، أن يفكروا جدياً بهذا الفنان النبيل الذي رحل عن عالمناً مبكراً، رحل مقهوراً وحزيناً على المسرح والمسرحيين، دون ان يحقق أحلامه ودون أن يحصل على حقه، أتمنى ألا تخذلوه ميتاً، كما خذلتموه حياً، وللحديث بقية .







