لَطم على عَتبات المُستقبل.. صورة وطن رسمتها أوجاع محاكمات افتراضية!!
د. خلف الطاهات
زرت السبت الماضي الجناح الأردني في معرض اكسبو دبي 2020 وذلك بعد يوم واحد من عاصفة الكترونية من الاستياء والانتقادات على صورة الجناح، ولأغراض استكشاف الحقيقة من مصادرها والوقوف على حيثيات ما جرى حرصت ان التقي بالموجودين من مسؤولي الجناح هناك، ولأغراض المقارنة قمت بجولة الى عدد من اجنحة دول عربية وغيرها مشاركة في المعرض الذي يعد الاضخم عالميا في تسويق الابداع.
بالتأكيد كل من ادلى بدلوه حول المشاركة الأردنية وأشار كتابة او تعليقا الى أوجه القصور ومنتقدا تواضع الجناح لا يمكن التقليل من شان أهمية ملاحظته، والاهم ان من تحدثوا هم أبناء وبنات وطن استصرخوا الغيرة والحرص بأمل ان تكون المشاركة الأردنية في حدث عالمي يليق بإرث الأردن كدولة تلج مئويتها الثانية. لكن لم نتعلم من دروس الماضي، فغياب التنسيق كان مقتلنا، واقلها لو كان التنسيق بين مؤسسات الدولة عالي بمستوى الحدث لكانت القنصلية الأردني بدبي غرفة عمليات منذ 3 سنوات!!
وبالرغم من صعوبة فصل الحديث عن تواضع الثقافة العامة بالشأن الأردني الذي قدمه الاشرز عن تاريخ الأردن واحداثه الهامه والذي بثته قناة محلية واستفز الكبير والصغير، داخل الاردن وخارجه على حد سواء، وبين عملية ترتيب وتجهيز الجناح الأردني ليعكس حاضر الدولة وعتبات مستقبلها والفرص الإبداعية المتاحة، فانه من الظلم بمكان وأيا كان مستوى الغيرة والحرص على سمعة الوطن ان نصل لمرحلة من “الاتهامية” بحق كل من وقف على اعداد وتجهيز وترتيب وتحضير الجناح الأردني ووصلت ببعض الأصوات الى “تخوين” القائمين على الجناح، والتشكيك بوطنيتهم وانتمائهم الأصيل وسط نكران لجهود وتعب لا يستهان به قاموا به طيلة شهور ماضية.
لست هنا في وارد الدفاع عن اي جهة، ولا ان اتهم مؤسسة او هيئة بما حصل، لكن وددت ان أسجل ملاحظاتي حول ما جرى سيما وان الجبهة قد هدأت نوعا ما، الامر الذي يسعفنا جميعا النظر الى زوايا أخرى ربما غابت عنا في غمرة الانفعال الزائد والمبرر بذات الوقت.
بداية لا أستطيع تجاوز حقيقة ان ما حدث “مصيبة” يرقي لمستوى “جريمة” أرتبكت بحق سمعة الوطن، ومحاكمة الجناح “افتراضيا” منا جميعا كأردنيين اساء لصورة الوطن امام الاشقاء والأجانب اكثر مما كشفته المقابله التلفزيونية عن الاستخفاف في تقديم حقائق عن ثوابت الدولة وتاريخها، فالجريمة انتقلت من مستواها الضيق الى الاوسع بفعل ردة الفعل الحانقة والغاضبة منا جميعا، فأوغلنا في محاكمة الجناح والحقيقة و بدون قصد وضعنا سمعة الوطن الى طاولة التجريح بداعي الغيرة والحرص عليه، ومنحنا أنفسنا مساحات غير مقيدة وغير محددة في ذلك!
ولان الاعلام شريك اساسي في حياتنا،وبما يمتلكه من تاثير وتوجيه، فالاعلام الرسمي بالإضافة الى غير الحكومي كان حاضرا لمتابعة فعاليات الجناح، وبالتأكيد هذه المؤسسات ومنها اذاعات قامت تبث الاحداث والفعاليات وتجري المقابلات باهتمام كبير، وقد تكلفت تكاليف مادية في ارسال فريق اعلامي خاص لمتابعة المشاركة الأردنية حرصا منها على نقل الحدث وعكس مستوى المشاركة ووضع جمهورها بالفعاليات والأنشطة والزيارات. ولان العمل الإعلامي “مؤسسي” أيضا، ولان الجناح كما علمت لديه مسؤول اعلامي يرتب اللقاءات والجولات، فقد كان من باب اولى من هذه المؤسسات الإعلامية أيضا الالتزام بتعليمات القائمين على الجناح وتوجيههم نحو برنامج الفعاليات والأنشطة على جدول اعمال هذا الجناح مثل زيارات كبار المسؤولين الاماراتيين، وجولات المسؤولين الأردنيين، الفعاليات والأنشطة المبرمجة ومعدة مسبقا مثل احتفالية يوم عمان، العروض الرئيسية للفرق الأردنية المشاركة، وهكذا.
بالرغم من ردة الفعل الغاضبة على مستوى الثقافة العامة الذي ظهر من شباب الاشرز عبر التلفزيون، الا ان القناة التي بثت تلك المقابلات لم تخطأ من منظور الحرية الإعلامية المطلقة، فالحدث عام ومتاح للجميع ووجودها تم بموافقات رسميه، ولفريقها الإعلامي ان يصور ويبث ويجري مقابلات مع من يعتقد انه يخدم القناة واهتمامات جمهورها والذي بالأصل- وبدون شك- هذه السياسة تتفق مع رسالة الدولة الأردنية ولا نزاود هنا على اي مؤسسة اعلامية اردنية، ففيها زملاء عمالقة هم من كبار صناع المشهد الإعلامي الأردني.
لكن، هذا الحق لا يجب ان يُخل بمسؤوليات القناة نحو مجتمعها وفق منظور نظرية المسؤولية الاجتماعية في الصحافة والاعلام، والتي ترى ان ليس من اهداف المؤسسات الإعلامية ولا من وظائفها خلق بلبلة في المجتمع، ولان حسن النية دائما مقدمه ومفترضه في العمل الميداني الإعلامي، فكان الأولى ان يتم “تصحيح” ما صرح به الشباب من معلومات غير دقيقة ومغلوطة عن تاريخ الأردن من قبل المذيع، ولو افترضنا ان ضغط العمل حال دون ذلك، فكان الأولى مؤسسيا ان يتم “غربلة” ما سيتم بثه من غرف التحرير والبث في مقر القناة من عمان، مالم يكن هناك تفاصيل لا يحيط بها كاتب هذا المقال حال دون مراجعة المحتوى قبل بثه!
لكن رب ضارة نافعه، اليوم استطاعت القناة بما تمتلكه من حضور وتأثير ان تلفت انتباه صناع القرار الى خلل كبير في مستوى الثقافة العامة والتربية الوطنية التي تعاني تدنياً واضحا لدى شبابنا والذين هم محور اهتمام الحكومات والتوجيهات الملكية بخصوصهم لا تنقطع.
بالنسبة لتصميم الجناح الأردني، وتنسيقه ومحتوياته، فالمعرض هو فرصة لترويج الأفكار الإبداعية، ولا أُصّغِر من كتف وطني اذ أقول انه يرقى تصميما وفكرة لمثيلاته بقية اجنحة الدول الأخرى، الا اذا كان في خيال منتقدي تصميمه ومحتوياته صورة مثاليه لم يلتقطها مهندسي المعارض ومصممي الأجنحة، فقد دخلت اجنحه لدول اكثر ثراء وتقدما مقارنة بالأردن واكتفت في توظيف فلسفة “الابهار” في التصميم و تسويق الأفكار من خلال اشرز تم تأهيلهم وتدريبهم لمثل هذه المعارض، واحيانا أخرى شاشات تبث ما هو مسجل عن الأفكار المتعلقة بالإبداعات والابتكارات والفرص المستقبلية. بعض الاجنحة اختارت أبرز معالمها الحضارية والاثرية والتراثية في تسويق تصميم الجناح، وكان شكل تصميم الجناح الأردني مقبولا بالنظر الى تمكين الزائر ان يدخل اليه عبر سيق مستوحى من عبقرية والوان واجواء البترا النبطية الوردية.
قد تكون تمنياتنا كبيرة وطموحاتنا حينما تتعلق بصورة الوطن اكبر وازهى، وحرصنا على الوطن يحرك الساكن وتُنطق الاخرس، ومع كل ما حصل فهذا لا يعفي الجهات الحكومية المعنية من مسؤولية التقصير في تفعيل وتعزيز مفهوم “التنسيق”، فالحدث يمس الأردن ماضيه وحاضره ومستقبله، وهو ليس حكرا على وزارة بعينها او هيئة مستحدثه هنا او هناك، ولا مسؤول استعراضي يعتقد واهما ان صورة الوطن تنتهي رسمها عند زاوية مكتبه الفاخر، وبالتأكيد نحن لا نريد ونحن نستدعي ما حدث في الجناح الأردني في دبي ان نحاكم موظفا او مؤسسة إعلامية او وزارة او هيئة عما جرى، لكن ما حصل “يفترض” ان يكون فرصة للمراجعة الجادة حتى لا نبقى نلطم على عتبات مستقبل هذا الوطن ويكفي بذات الوقت جلد هذا البلد ففينا من اوجاع ما يكفينا!!