الحرية لزكريا ورفاقه
حمادة فراعنة
أجهش أبو هاني القاسم ابن طوباس من الغور الفلسطيني، بالبكاء الشديد، وهو يسأل شقيقه عبر التلفون في عمان، عن مصداقية إلقاء القبض على الفدائيين الأسرى الأربعة في مدينة الناصرة، من قبل أجهزة المستعمرة الإسرائيلية، لعله يسمع تكذيباً وعدم دقة الأخبار. الصدمة كبيرة، تمثلت بالفرح لدى الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين، والأصدقاء الذين يؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية وشرعية نضال أصحابها.
الفرح تمكن من النفوس وساد المشاعر بسبب انتزاع الأسرى الستة حريتهم وهروبهم من الجلبوع، فوقعت الصدمة مرة أخرى ولكنها متعاكسة، انتقلت من الفرح إلى الحزن والغضب والإحباط بعد إلقاء القبض على الفدائيين وإعادتهم إلى قسوة السجان والاعتقال وفقدان الحرية.
الشعب العربي الفلسطيني يخوض نضالاً تدريجياً، رحلته طويلة شاقة، متعددة الأشكال والأدوات والمراحل، سيصاب بالفشل والإحباط، مثلما سيحقق الإنجاز والانتصار.
المعركة سجال بين الشعب الفلسطيني في مواجهة محتليه، ومصادري حقوقه، ومستعمري أرض وطنه، ولن تتواصل بوتيرة واحدة، بل سيسودها الهبوط والصعود وصولاً نحو الانتصار. مدينة الناصرة، هبت احتجاجاً على إعادة اعتقال الأسرى الأربعة، تأكيداً منهم أن هؤلاء المناضلين أشقاء لهم، مناضلين لقضيتهم، شركاء معهم في المعاناة، يتقاسموا التطلعات من أجل قضيتي المساواة لأبناء مناطق 48، والحرية والاستقلال لأبناء مناطق 67، لا ينفصل عن نضال اللاجئين الفلسطينيين من أجل حق العودة إلى بيوتهم واستعادتها بعد أن فقدوها وطُردوا منها عام 1948.
الأذى والإساءة والتهميش ونشر الإشاعات النفسية المبرمجة، من خلال تعميم ونشر أكاذيب أجهزة المستعمرة عن تواطؤ واستدلال من قبل عائلة نصراوية عن الفدائيين، استهداف خبيث يسعى لتمزيق معنويات الفلسطينيين، وفض تماسكهم كشعب واحد، بعد المفاجأة المذهلة التي سجلها الفلسطينيون أبناء الجليل والكرمل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، عبر مشاركتهم في انتفاضة القدس الرمضانية يوم 10 أيار 2021، وأطلقوا عليها «هبة الكرامة». هبة الكرامة سجلت صفعة صادمة لقيادة المستعمرة لأنها شملت المدن الفلسطينية المختلطة الخمسة: عكا وحيفا ويافا واللد والرملة، رغم أغلبية سكانها من الإسرائيليين، والأقلية من الفلسطينيين، إضافة إلى المدن العربية في مناطق 48: الناصرة، سخنين، كفر قاسم، أم الفحم، شفا عمرو، الطيبة، طمرة وراهط، التي هبت وتضامنت وشاركت أهل القدس انتفاضتهم كشعب واحد، لقضية واحدة، وتطلعات مشتركة مترابطة متكاملة، في مواجهة مستعمر مرفوض.
صفعة انتفاضة القدس، وشراكة هبة الكرامة، وسيف المقاومة وصواريخها من غزة، لم تستوعبها إدارة المستعمرة وأجهزتها، فجاء نفق الحرية الذي صنعه الأبطال الأسرى يوم 6 أيلول 2021، وانتزاع حريتهم، ليضيف مساً بعقل الإسرائيليين، ومعنوياتهم، والتشكيك بقدرة الأجهزة على التحكم الأمني.
حالة اشتباك كفاحي، سياسي، معنوي، بين المشروعين: الفلسطيني في مواجهة الإسرائيلي، علينا أن نتذكر أن فلسطينيي مناطق 48 سجلوا يوم الأرض الخالد في آذار 1976، وهبة أكتوبر في تشرين الأول 2000 تضامناً وشراكة مع انتفاضة الأقصى، وقدموا الشهداء في الحالتين وها هم في هبة الكرامة الرمضاني قدموا الشهداء موسى شحادة حسونة من اللد، محمد محمود كيوان من أم الفحم، ومئات المعتقلين، ما زال بعضهم معتقلاً إلى الآن. ليست نهاية الرحلة بل محطة من محطاتها الكفاحية إلى اليوم المنتظر: يوم المساواة والحرية والعودة إلى فلسطين.