العقيدة ثابتة راسخة قوية
حمادة فراعنة
خشية زائدة، وقلق مشروع على المستوى الذاتي، يتجاوز المنطق ومعطيات الواقع، وافتعال معركة وهمية ضد أفراد، أو جماعات، أو تيارات هامشية، غير مؤثرة. المعركة تستهدف الدفاع عن الإسلام، وهذا مشروع منطقي، دوافعها الإحساس بالمسؤولية، لدى أفراد أو جماعات لهم اعتبار، ولكنها لا تستحق هذا القلق أو الخوف أو الاستنفار، لسبب جوهري أن الإسلام عقيدة راسخة قوية، صمدت في ذروة الاستهداف عبر محطات التاريخ المتقلبة.
علينا أن نفرق بين الإسلام كعقيدة دينية، ورسالة فكرية قادرة على الصمود، بفعل الإيمان، وبين المسلمين وأنظمتهم السياسية، لقد صمد الإسلام كعقيدة ودين، بينما تعرض النظام الإسلامي، للتقدم وللتراجع، للانتصار وللهزيمة، وهذا يعود لأسباب موضوعية حياتية اجتماعية إدارية اقتصادية: هذا ما حصل لدى الدولة العباسية، والأموية، والفاطمية، والمماليك حتى الدولة العثمانية، انتصرت حيناً وتراجعت أحياناً، وبقي الإسلام عقيدة وتراثاً وإيماناً ورسالة.
لم تستطع حروب الفرنجة، ولا قبلهم الفرس والرومان، ومن بعدهم الاستعمار الأوروبي، زعزعت العقيدة في نفوس المسلمين، الذين نالوا النجاح والانتصار، وتعرضوا للإخفاق والهزائم، هذا ما كان لدى البلدان العربية التي تعرضت للاحتلال والاستعمار من اليمن الجنوبي حتى الجزائر وابرزها ما حصل في فلسطين، حيث القطيعة للأقلية العربية الإسلامية المسيحية الفلسطينية في مناطق 48، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، وانقطاعهم الكامل عشرات السنين عن محيطهم العربي الإسلامي المسيحي، صمدوا ونالوا وحافظوا على معتقداتهم وتراثهم، وبتحدي بارز واضح فاقع، كنموذج واقعي نتباهى به. إذن علينا أن نفرق بين العقيدة الإيمانية الإسلامية الراسخة في نفوس البشر، والتزامهم بما يؤمنوا به، وبين الأنظمة السياسية التي تقودهم بشروط الحياة ومتطلباتها، ولهذا على من يقلق على الإسلام، عليه كما يتحلى باليقظة والحس بالمسؤولية، أن يتحلى بسعة الأفق، والقلب الواسع، والعقل الرشيد في تعامله مع الآخر، حتى ولو بدا هذا الآخر خارجاً عن المألوف، ومظاهره غير لائقة، ومفرداته متطرفة، فعلينا مجادلتهم بالتي هي أحسن وبالمعروف، فما نؤمن به حق راسخ لا يقبل التأويل أو النقاش. نعيش ظروفاً صعبة، قد تكون غير مسبوقة: الوباء وتبعاته، والمعيشة الاقتصادية الصعبة وآثارها، والانكفاء الوطني والقومي وأذاه في التطبيع مع المستعمرة الإسرائيلية، وخصومات صدامية مع البلدان المجاورة إيران وتركيا وأثيوبيا، والتطرف لدى بعض التنظيمات وجرائمها، ومع ذلك ما زال الأردن صامداً، عكس الدمار الذي اجتاح العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال، مما يذكرني بما كانت تقوله المرحومة والدتي «الله يحمي بلدنا، الله يحمي الأردن». فهل نثق بما نؤمن أنه حق، هل نثق أن عقيدتنا لا يملك شخص أو جماعة أو تيار زعزعتها، وأنها صمدت في مواجهة كل الأعداء، بل وانتصرت بالبقاء رغم تراجع أو هزيمة نظامها السياسي، هل نثق بقدراتنا على الحوار وامتلاك ما نرى أنه حق في مواجهة الآخر بالتي هي أحسن، وبالحوار والمنطق والمرجعية، بدون تعسف وبطش وتطاول؟؟.