دراسة في القتل الخطأ في القانون الأردني على ضوء حادثة مستشفى السلط
الشاهين الاخباري – سلمان الحنيفات
نصت المادة 343 من قانون العقوبات نصت على : من سبب موت احد عن اهمال او قلة احتراز او عن عدم مراعاة القوانين والانظمة عوقب بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات.
نصت المادة 76 من قانون العقوبات على : اذا ارتكب عدة اشخاص متحدين جناية او جنحة، او كانت الجناية او الجنحة تتكون من عدة افعال فاتى كل واحد منهم فعلا او اكثر من الافعال المكونة لها وذلك بقصد حصول تلك الجناية او الجنحة اعتبروا جميعهم شركاء فيها وعوقب كل واحد منهم بالعقوبة المعينة لها في القانون، كما لو كان فاعلا مستقلا لها.
اي ان الجرم هو التسبب بالوفاة بالاشتراك بحدود المادتين (343 و 76 ) من قانون العقوبات مكرر (سبع مرات).
إن حكمة العقاب في جرائم القتل الخطأ هي في الحرص على أرواح الناس، والرغبة في حماية سلامتهم وصحتهم، فلا ينالهم سوء ولا أذى ولو كان هذا الأذى ناجما عن خطأ لا عن قصد، وليس مثل هذا الحرص جديدا ولا محدثا بل أن الشرائع القديمة كانت تبدي اهتماما بحماية الروح البشرية من كل اعتداء ، وتعاقب المساس بها بأقصى العقوبات.
وعليه فجريمة القتل غير العمدي وكما تدل عليه تسميته فعل يرتكبه الجاني بغير أن يقصد الموت ، ولكنه يكون في وسعه تجنبه إذا تصرف باحتياط وحذر، فالفرق بينه وبين القتل العمد ينحصر في أن القاتل عمد يستخدم إرادته في إحداث الوفاة أما القاتل خطأ فينعدم عنده القصد الجنائي أي الركن المعنوي بحيث نكون أمام خطأ جنائي.
وتعتبر جريمة القتل الخطأ من الجرائم المادية لا الشكلية حيث تمثل النتيجة الإجرامية ورابطة السببية أهمية كبيرة في البناء القانوني للجريمة فما لم تحدث الوفاة فلا قيام للمسؤولية الجنائية .
ويقوم القتل الخطأ على عدد من الأركان:
أولاً: الركن المادي:
ويقوم على ما يلي:
1 : فعل الجاني ( النشاط الإجرامي)
لا قيام لأي جريمة بدون نشاط خارجي يصدر من الجاني وتدركه الحواس والذي يكون العنصر الأول في الركن المادي للقتل الخطأ .
- : النتيجة الإجرامية( الوفاة)
النتيجة الإجرامية التي تكون أحد عناصر الركن المادي ما هي إلا ما يشخصه ذلك الاعتداء من تغيير في العالم الخارجي وما يمثله من انتهاك لأحد حقوق الجماعة . فجريمة القتل غير العمدية لا تتحقق أبدا ما لم يمت المجني عليه بسبب نشاط المتابع مهما كان الخطأ الذي ارتكبه هذا الأخير من الفداحة والجسامة .
3 : العلاقة السببية بين النشاط والنتيجة .
لكي يقوم الركن المادي في جريمة القتل الخطأ لا بد وأن تتوافر رابطة السببية بين نشاط القاتل والنتيجة الإجرامية التي هي الوفاة ، بمعنى أن يكون هذا النشاط هو السبب المباشر لحصول النتيجة ، وإن انتفت هذه العلاقة انتفت الجريمة . وإذا كانت العلاقة السببية بين نشاط الجاني وبين النتيجة الإجرامية تبدو واضحة أحيانا فإنه في الكثير من الأحيان تتطلب من القاضي مجهودا غير يسير في البحث والاستقصاء لاكتشافها ولإبراز التسلسل الطبيعي بين الفعل والنتيجة، وخاصة في جرائم القتل الخطأ حيث يثور التساؤل حول من المسؤول عن الخطأ؟ وهنا يتم اللجوء للنظريات التي عالجت علاقة السببية.
ثانيا: الركن المعنوي
إن قوام الركن المعنوي في جريمة القتل الخطأ هو الخطأ الجنائي ومن التطبيقات العملية الشائعة للخطأ الذي تترتب عنه الوفاة نجده في عدة ميادين منها الخطأ الطبي. - تعريف الخطأ الجنائي
لم يعرف المشرع الاردني الخطأ وعرفه الفقه بقوله: بأن لا يتخذ الفاعل في سلوكه الاحتياط الكافي الذي يجب على الشخص الحريص المتبصر اتخاذه لمنع ما عسى أن يترتب على سلوكه هذا من نتائج ضارة بالغير ” . كما عرف ايضا : ” كل عمل أو امتناع إرادي لم يقصد به الفاعل قتل إنسان ومع ذلك ترتبت عنه الموت نتيجة عدم تبصره أو عدم احتياطه أو إهماله ” وعموما يمكن جمع هذه التعاريف في تفسير الخطأ بأنه الانحراف من سلوك الرجل العادي المتبصر الموجود في نفس ظروف مرتكب الخطأ فالفاعل عندما يقوم بالعمل الإيجابي أو الامتناع يكون من جهة لا يتوقع نهائيا حدوث الموت بسبب تصرفه أو كان يتوقعه على وجه الاحتمال ويقصد به مجرد الاحتمال البسيط أو الضعيف . ويمضي في تنفيذ الفعل عن تهور طيش أو بناءا على اعتقاده بأنه قادر على تفادي النتيجة المحتملة ومن جهة ثانية يجب أن يكون قيامه بالفعل في كلا الحالتين متسما بعدم التبصر أو عدم الاحتياط أوعدم الانتباه أو الإهمال.
2.صور الخطأ :
عدد الفصل 432 صور الخطأ التي تقوم بها المسؤولية الجنائية عن القتل الخطأ، هذه الصور جاءت متداخلة الدلالة مع بعضها إلى حد كبير يتعذر الفصل بين مفاهيمها حيث يقال أن الإنسان لم يحتط لأنه لم يتبصر، ولو تبصر فلم يحتط فهو مهمل ولكن مقدار الخطأ على أي حال لا أثر له في تقرير المسؤولية حيث يكفي ثبوت الخطأ في أي صورة من الصور الخمس لكي تقوم مسؤولية الجاني مادامت العلاقة السببية بين الخطأ والنتيجة متوافرة .
وقد تجتمع هذه الأخطاء مع بعضها أو حتى أن تندمج في بعضها، وليس ضروريا أن يكون الخطأ الذي يدخل في تكوين الجنحة إراديا أو حتى مرتكبا عن وعي فحتى لو لم يكن الفاعل قد توقع نتائج خطاه فإن المسؤولية تكون قائمة بسبب عدم تقديره وتوقعه لعواقب فعله ، بحيث تنم في مجملها عن استخفاف الفاعل إزاء قواعد الفطرة السليمة والحيطة اللازمة .
من خلال ذلك سنعرض أبرز صور الخطأ بالتي يبدو أنها مذكورة على سبيل المثال لا على الحصر.
1- قلة الاحتراز ( عدم التبصر) :
تقوم هذه الصورة من صور الخطأ الجنائي كلما أبان تصرف الفاعل عن سوء تقدير الأمور، أو كون الشخص تنقصه المهارة والبراعة الجسمانية فإذا كان تصرف الإنسان العادي إزاء موقف معين يتطلب منه نوعا من الرؤية والحذر لتقدير نتائج ذلك التصرف نجد الجاني في هذه الحالة يندفع عند أول خاطر يحول بذهنه دون إعمال ذلك التقدير . وهذا النوع من الخطأ غالبا ما يرتكب في إطار مهني فني من طرف الأطباء والصيادلة وغيرهم ممن يتسببون في قتل إنسان نتيجة عدم قيامهم بعملهم كما يجب أوجهلهم لقواعد المهنة التي لا يجوز لمثلهم جهلها أو عدم القيام بها كما ينبغي.
2- عدم الاحتياط وعدم الانتباه
وهما صورتان للخطأ الذي ينطوي عليه نشاط إيجابي ويتحققان عندما يقدم الفاعل على تصرف يدرك خطورته وما يترتب عليه من نتائج ضارة ورغم ذلك لا يتخذ الإحتياطات اللازمة التي تكفل درئ المخاطر وتلافي حصولها .
3- الإهمال
ويظهر في الموقف السلبي لشخص في مواجهة بعض الأوضاع التي تفرض عليه الحذر وهو الامتناع عن القيام بعمل يفرضه القانون كترك واجب أو الامتناع عن تنفيذ أمر ما أو الامتناع عن اتحاد العناية والوقاية اللازمتين لتجنب حصول النتيجة
4-عدم مراعاة النظم والقوانين:
المقصود بالنظم والقوانين كل ما يصدر من تشريعات سواء من السلطة التشريعية أو التنفيذية في الحدود التي تختص بها قانونا . وتمتد لتشمل تنظيمات القواعد العرفية المتعارف عليها في المجال الذي وقع فيه الخطأ.