قيس الرنتاوي
في الذكرى الثانية والسبعين لنكبة عام 1948، التي تصادف اليوم الخامس عشر من أيار تتواصل معاناة الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات والمنافي، ويواصل الاحتلال غطرسته ومخططاته الاقتلاعية وعدوانه السافر على شعبٍ أعزل إلا من إرادته وتصميمه على انتزاع حقوقه المشروعة بالحرية والاستقلال.
على مدار 72 عاماً من الاحتلال والنكبة، سطّر الشعب الفلسطيني أسمى التضحيات، وصمد، وقاوم، ولما يزل، السياسات الاستعمارية العنصرية لحكومات الاستبداد والقتل الإسرائيلية، التي تعاقبت على دمه وأرضه ومقدساته وتاريخه ووجوده، ليُسجّل بنضاله المبدع والمتواصل صفحات مشرفة ومُشرقة في تاريخ الإنسانية.
لن ينسى هذا الشعب المعطاء المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وامتدادها دولة الاحتلال، في مِداد فلسطين التاريخية، وارتكاب القتل الوحشي للمدنيين العزل نساءً وأطفالاً وشيوخاً، وتدمير مئات القرى الفلسطينية ومحوها، وتشريد نحو نصف الشعب الفلسطيني وطرده من وطنه فلسطين، في محاولة يائسةٍ وبائسةٍ لاقتلاع شعبنا من جذوره.
في هذه الذكرى الأليمة، لن ينسى شعبنا دمه النازف الذي روى ويروي هذه الأرض الثكلى بالصراعات والمؤامرات التي لا تتوقف، منذ وعد بلفور وحتى من يُسمّي نفسه “ملك إسرائيل” الذي تُوّجَ على عرشه الزائف بسفك المزيد من دماء الفلسطينيين واغتصاب حقوقهم، ومحاولاته المستمية وأنصاره من المتطرفين لطمس هوية الشعب الفلسطيني، وأسرلة البلاد التي تصدح عروبةً ولا يستطيع أحدٌ إيقاف نشيدها أو احتلاله أو تشويهه، وسيبقى صوتها يرنُّ ويقرعُ فوق كنائس القدس ومآذن الأقصى الشامخ.
في كلّ شبرٍ من هذه الأرض المقدسة حكايةٌ تشهد على فلسطينيتها وعروبتها؛ لفلسطينيٍّ أو فلسطينيةٍ اختلط عرقهما وانجَبلَ بترابها، أو لشهيدٍ نزف دمه فاخضرت الأرضُ وزَهَت سوسنةً تكاد تضيءُ لو لم تمسسها نار، والأرضُ لا تنسى صاحبها، ولا تنسى فالحَها، وأشجارها عاليةٌ لا تنحني لأنياب جرافات المحتل ومَعاوله مهما اشتدت غطرسته، وتعاظمَ إجرامه.
الكبار ماتوا ويموتون، هذه حقيقة، لكنّ الصغار لا ينسون، فقد رضعوا من حليب أُمهاتهم حبَّ فلسطين والتشبث بها والتجذُّر فيها، وشربوا من ينابيعها ووديانها وعيونها الماء الزُّلال، وتعلّموا من آبائهم وأجدادهم طريق الكرامة والعزة، وأنّ من لا يُدافع عن حقه سيسقط من حسابات التاريخ، وسيفقد وجوده وكينونته، فواصلوا بإبداعٍ يفاجئ العالم، دوماً، نضالهم ودرب الحرية، وتفوّقوا بصمودهم وكلمتهم وتصميمهم، ليكتبوا اسم البلاد عالياً في أصقاع الأرض وفي أروقة المؤسسات الأُممية، وهاهي فلسطين دولةٌ مراقبةٌ في الأمم المتحدة، حجزت مكانها منذ الطلقة الأُولى، وعزّزت هذا الوجود ووسّعته، لا يُمكن لأحدٍ استثناءها أو عدم سماع صوتها وندائها للتحرر من آخر احتلالٍ وأبشع إجرامٍ في تاريخ الإنسانية.
لن ينسى شعبُنا هذه المجازر والجرائم التي ارتُكبَت وتُرتكب بحقه، ولن يسمح لمخططات اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتنياهو، وبإسناد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتمرير المشاريع التصفوية؛ من مخططات الضم، أو السياسات والمخططات الاستيطانية الاستعمارية المتواصلة لخنق البلاد وناسِها وتهجيرهم.
في ذكرى النكبة، تتجدد الهِمَم، وتُشحَذ الطاقات، وتعلو الآمال بالوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام البغيض، ووضع برنامجٍ وطنيٍّ موحدٍّ، وتوحيد البوصلة لمواجهة الاحتلال ونكباته المستمرة ومشاريعه الاستعمارية والانحياز الأمريكي الفاضح، بذلك أولاً، وقبلَ كل شيء، نكون صحّحنا المسار، وواصلنا معركة النضال ودرب الأحرار.
بعد 72 عاماً من النكبة نقول: هنا فلسطين، هنا القدس، هنا الأرض التي نُحب ووطنُنا الذي لا ننسى.