أقلام حرة

ثلاثة أسئلة بانتظار الجواب من رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

الثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم بشفافية ومسؤولية هي أساس الحكم السليم ، والعلاقة التبادلية بين الطرفين باعتبار ان المحكوم هو الذي اختار الحاكم وسلمه مقاليد أموره ليديرها وهو القادر على محاسبته وتغييره من حين لآخر أو تجديد الثقة به إن اطمئن الى حسن أدائه للأمانة التي أوكلها إليه.

إن من أهم مقومات الحكم الرشيد هو وجود حياة برلمانية قوامها برلمان فاعل يحاسب ويراقب أداء الحكومة ، ووجود معارضة برلمانية مسؤولة وجدية تقف ككلب الحراسة للدفاع عن مصالح الشعب. فالمعارضة البرلمانية هي الأساس في الحياة البرلمانية السليمة وهي التي تمنع ترهل الحكم وتضمن استمرار شعور الحكومة بأن هناك من يراقبها ويضع أداءها تحت المجهر حتى لو كانت تلك الحكومة تحظى بدعم أكثرية برلمانية ، سعيا ً لتحقيق مبدأ تداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع.

في حالتنا الفلسطينية هناك ثغرة تزداد اتساعا بين الحكومة والشعب يزيد من اتساعها المضطرد شعور الحكومة بأنها وبعد تعطيل المجلس التشريعي أعفت نفسه من المراقبة والمساءلة وبات هي التي تحكم وهي التي تسائل نفسها . ولم يتوقف الأمر على غياب أو تغييب المجلس التشريعي والاستيلاء على صلاحياته من قبل الحكومة وإنما هناك أيضا ً غياب لدور الصحافة التي يفترض أن تتحمل عبء ومسؤولية الرقابة باعتبارها السلطة الرابعة كما يقولون ، فنحن نفتقر الى صحافة مستقلة لأن صحافتنا فقدت استقلاليتها وتنازلت عن مهنيتها وأصبحت إما أداة في يد السلطان أو في يد أصحاب المصالح المستفيدين في الغالب أو المتحالفين مع الحكومة. فغياب المجلس التشريعي والرقابة الصحفية يفتح الباب على مصراعيه أمام فشل الحكومة لأنه يفتح أمامها مساحات شاسعة للفساد وسوء الأداء سوء بقصد أو بغير قصد.

وحكومتنا الفلسطينية لا تعاني فقط من عدم وجود مساءلة ورقابة برلمانية ، بل أيضا ً من عدم وجود صحافة مسؤولة تكمل دور الرقابة البرلمانية.

وفي يقيني أن على الحكومة ، ورغم هذه الظروف المعقدة أن تحرص على بناء الجسور مع الشعب وبناء الثقة بينها وبينه لأن وجود تلك الثقة هو أمر ضروري يساعدها على تحمل مسؤولياتها من جهة والصمود أمام الإحتلال الذي يحاول المساس بهيبتها وشل قدرتها على الأداء من جهة أحرى.

وللاسف الشديد نحن المواطنون لا نلمس بأن هناك حرص على بناء الثقة بين الحكومة والشعب ليس في هذه الفترة وإنما على مدى العشرين سنة الماضية الأمر الذي خلق فجوة عميقة بين الحكومة والشعب يبدوا جسرها مهمة شاقة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال انتفاضة داخل النظام نفسه تعيد تأسيس وتفعيل الحياة البرلمانية وتحقق الشفافية والمصداقية ، وهذا أمر رهن بتحقيق المصالحة التي أصبحنا جميعا ً على شبه قناعة بأنها لن تتم بحكم الواقع الذي تطور في قطاع غزة واستمراء الطرفين اسلوب الحكم بلا برلمان وبلا حسيب أو رقيب.

هذه الحالة شبه الميؤوس منها لا يجوز أن تدفعنا الى اليأس بل يجب أن تُشكل تحديا ً يدفعنا لإثبات أننا نستحق أفضل مما هو كائن.

لقد توسمنا الخير وراودنا الأمل بأن حكومة الدكتور محمد اشتية القادم من رحم المعاناة الشعبية ربما تكون أفضل ممن سبقها ولكن علامات سؤال كثيرة بدأت تفرض نفسها ، وعليه وعلى حكومته أن يلتقطوا اللحظة قبل فوات الأوان وأن لا يجعلوا الناس تفقد الأمل الذي علقته عليه وعلى حكومته. وأقول بدافع الحرص والنصح بأن الأمر ليس سهلا ً وأن القادم أصعب وأسوأ من الذي مضى وأننا بأمس الحاجة الى التلاحم والتكاتف بين الشعب والحكومة لكي نستطيع اجتياز المرحلة القادمة بسلام وهي مرحلة تحدي أن نكون أو لا نكون. فهي مرحلة قرارات اسرائيلية قد تعصف بنا وتضعنا في مواجهة مباشرة مع عدو شرس ، ومرحلة تحد اقتصادي ناتج عن كارثة الكورونا التي لم يستوعب الكثيرون بعد مدى الدمار الذي الحقته باقتصادنا الوطني بل بالاقتصاد العالمي وربما بالنظام المالي العالمي.

ولكي أساعد الحكومة في اتخاذ بعض الخطوات التي ستسهم فعلا في بناء الثقة مع شعبها فإنني أطرح ثلاثة أسئلة على سبيل المثال لا الحصر وآمل أن نسمع إجابات عليها من الحكومة تساعد على تعزيز الثقة بينها وبين الشعب وتفتح الباب أمام مزيد من التكاتف والتلاحم الشعبي مع هذه الحكومة التي من مصلحتنا جميعا دعمها والعمل على إنجاحها.

السؤال الأول ، لقد تم في عهد الحكومة السابقة تسريب عقار ضخم بالقدس هو عمارة آل جودة في عقبة درويش بالقدس القديمة وسط شكوك واتهامات بأنه كان هناك خلل أو تواطؤ من قبل بعض الجهات أدى الى تسريب العقار لليهود على رؤوس الأشهاد. وقد أعلنت الحكومة السابقة بأنها شكلت لجنة للتحقيق في التسريب وأنها ستضع الحقيقة أمام الشعب. ومنذ ذلك الحين لم نسمع شيئا ً عن نتائج ذلك التحقيق ويسود انطباع بأنه تم التعتيم عليه لأسباب يتهامس البعض حولها. فهل تتكرم الحكومة الحالية بوضع نتائج التحقيق أمام الشعب بجرأة وأمانة ومسؤولية ليعلم الناس من البريء ومن المتهم بدلا ً من وضع الجميع في دائرة الاتهام ؟

والسؤال الثاني ، لقد كشف النقاب عن أن الحكومة السابقة قامت برفع رواتب أعضائها بمبالغ طائلة خلافا للقانون وحين تم افتضاح الأمر أعلنتم أنه تم تجميد تلك الزيادة وأنه سيتم استرداد المبالغ التي قبضها الوزراء خلافا ً للقانون والتي قد تصل مئلت الآلاف من الدولارات أو ربما أقل. والسؤال هو: هل تم فعلا ً الغاء تلك الزيادة واسترجاع تلك المبالغ ؟ وما هي الآلية التي اتبعت وماذا كان مصير المبالغ التي تم استردادها وكم منها لم يتم استرداده ولماذا ؟

والسؤال الثالث ، لقد أعلنتم أن الرئيس قرر الغاء القرارات بقانون المتعلقة برواتب وتقاعد من هم بدرجة وزير وأن قرارات بقانون بالغائها صدرت وستنشر بالجريدة الرسمية. والسؤال هو : هل تم التحقيق لمعرفة من كان وراء توريط الرئيس بإصدار هذه القرارات والى متى سيبقى اسلوب استغفال الشعب ومحاولة اقتناص الفرص لنهب أموال الشعب دون وازع قانوني أو أخلاقي .

الإجابة على هذه الأسئلة كفيلة بأن تكون خطوات نحو تعزيز الثقة بين الحكومة والشعب ، وبقائها بدون أجوبة سيبقى سببا للنيل من تلك الثقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى