ماذا بعد اهتزاز قلاع الاستقرار العربي؟
اهتزاز في الاقليم العربي، اهتزاز سياسي واقتصادي، وزيادة ملحوظة لمساحات الفقر والجوع.. والفوضى ايضا، والقادم كما يبدو اصعب، ولا زال من المبكر رؤية الضوء في نهاية النفق..السودان والاردن وتونس تشهد حراكا شعبيا غاضبا، على خلفية ارتفاع الاسعار وزيادة الضرائب، واستجابة الحكومات في هذه البلاد لما تطالب به جموع الغاضبين ما تزال دون المأمول، فيما تتراجع قدرات هذه البلاد على طرح اجابات حقيقية على المشكلة الاقتصادية المتفاقمة والمتدحرجة، والاصعب ان احدا في الجوار لا يمد يده للمساعدة بصورة جدية لمنع الأسوأ، ووقف زحف توترات الجوع والفوضى في الاقليم.
وفي مصر الشقيقة الكبرى، جوع وفقر غير مسبوق، وازمة اقتصادية أتت على كل شيء، اكلت الاخضر واليابس، فيما الافق السياسي مغلق وملبد بالغيوم، تغيب عنه القدرة على المبادرة الداخلية، او لعب دور خارجي نشط، يتناسب مع حجم مصر وتاريخها… وربما استمر هذا لوقت غير قصير.
العربية السعودية هي الاخرى تعيش اكبر حالة عجز في الموازنة، وقلق سياسي يضعها في الزاوية، لا من جهة تداعيات قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بل من جانب تداعيات الخروج الامريكي من سوريا الذي تسبب بخلخلة استراتيجية الدفاع السعودي التي تراهن على تحالفها مع واشنطن كركيزة اساسية للاستقرار، ولعب هذه الاخيرة دورا حاسما في المواجهة مع طهران.. فيما يستمر الاستنزاف في حرب الجنوب دون تحقيق اي نتيجة. وعلى ذات الطريق تسير الامارات العربية التي ليست بأفضل حالا، سياسة واقتصادا، واستنزافا ماليا، وصعودا للمخاوف وعزلة في الاقليم.. والهروب للامام فيما يخص اعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، لن يغير من واقع الحال، بل ربما اسهم في المزيد من تشويش علاقات ابوظبي مع دائرة تحالفاتها التقليدية.
واذا ما استمر تهاوي اسعار النفط، واستمرت سياسة المجازفات والتواجد في كل بؤر التوتر، تحشيدا وتحريضا التي تنتهجها دول خليجية اساسية، وتعمق خط الاغتراب عن نسق واشواق الاقليم العربي، سياسات وتحالفات، فإن مناعة الكيانات الخليجية، وتاليا مناعة الاقليم العربي ستزداد تدهورا، وسيدفع الجميع الثمن حروبا وفوضى واستنزافا للموارد.
سوريا واليمن.. العراق وليبيا، حالها لا يحتاج لشرح .. وبلاد المغرب العربي ليست بمنأى عن الرياح العاصفة، في السياسة والاقتصاد… وعلى خلفية من تحطم صيغ العمل العربي المشترك، جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي، وضياع بوصلة العمل السياسي العربي وتضارب الاتجاهات والاجندات. وضحالة وزن المؤسسات الجامعة، وحجم الخراب السياسي وانتشار الفساد والاستبداد، وما يولده ذلك من احباط وفقدان للامل عند الجمهور، فإن الاقليم العربي لا يعيش فقط حالة اهتزاز وتوترات محدودة يمكن مداراتها او كنسها تحت سجادة مرقعة.
كل بلاد العرب تعاني، ومعاناة بعضها بلغت الحلقوم.. والاخرى في الطريق.. وروح العمل العربي المشترك في الحضيض.. والفوضى تدب على ارض صلبة تتغذى من ارث بغيض من الفساد والاستبداد، ممتد في الماضي وضارب الجذور في الحاضر.. ما يفرض معالجات جراحية عميقة وسريعة ، على مستوى كل بلد عربي، وعلى مستوى الاقليم كبيئة عمل مشترك.
واي تأجيل للمعالجات، الكلية والجزئية، كارثة.. تماما مثلما ان الاستسلام للواقع المر والمصير الصعب كارثة اكبر.
والمؤسف ان هذا يحدث بينما تتحرك قوى اقليمية كبرى بكل طاقتها، لتوسيع دائرة نفوذها، ورسم خطوط الطول والعرض، ضمن حدود الاقليم. بالتزامن مع مساع امريكية اسرائيلية لخلط الاوراق، وإحداث اعمق اختراق لبنية المنطقة، وتفصيل تسويات سياسة على اكثر من صعيد، تشرعن وجود «اسرائيل»، وفرضها كشريك اساسي في الاقليم، تبدأ من عنده تحديد ملامح مستقبل المنطقة.