أقلام حرة

لماذا يرد الطلاب على الرئيس ب(لا لا لا لا لا)؟

د.عساف الشوبكي

لعل الحكومة لا تعلم حقيقة مدارسها لأن مسؤوليها وصنّاع القرار فيها بعيدون جداً عن واقع المدارس ولا يذهبون الى الميدان لتلمس إحتياجاتها وتلبية مطالبها ومطالب عملائها والإطلاع على الواقع المرير والمتردي الذي وصل اليه حالها ومعالجة مشاكلها والنهوض بها. فالحكومة تطلق نداءاتها بعودة الطلاب الى مدارسهم ويرتد صدى صوتها طلابياً (لا لا لا لا لا لا )، لأن الطلاب لا يرغبون بالعودة الى مقاعد الدرس التالفة والتي كثيراً ما مزقت (مساميرها) لباسهم الموحد، ولأن لا علاقة متجذرة بين الأهالي والمدارس ، ولم تعمل الحكومات لبناء علاقات وثيقة بين المجتمعات المحلية والمدارس ، ولم تشرك أولياء الأمور والقادة المحليين الحقيقين والتربويين المتقاعدين وأهل الخبرة والمعرفة في صناعة القرار والإشراف على اوضاع المدارس في مناطقهم ، ولم تعطيهم الفرص لتطوير وتقدم تلك المدارس ، ولم تسمع لنصائحهم ، ولم تأخذ بملاحظاتهم ، وعملت على إيجاد مجالس ضعيفة وأُمية في هذا المجال وغير مؤهلة تنوب عن المجتمعات المحلية ولا تنتمي الى قطاع التربية والتعليم وتسير ضمن تعليمات وزارة التربية، ولا عمل لها سوى تَصدُر واجهة إحتفالات المدارس والتصوير وشرب العصائر وتناول الحلوى في مدارس الإناث ، وفشلت هذه (الكلسترات )فشلاً ذريعاً وتفشل الآن في أزمة إضراب المعلمين أن تكون وسيطاً للمساهمة في حل القضية ، وسادت مركزية الحكومات طوال عقود تراجعت فيها التربية وتقهقر بها التعليم. والمشكلة الكبيرة التي على الجميع أن يعرفها أن مدارس الحكومة ومعلميها وطلابها أُهملت إهمالاً كبيراً وربما يكون مقصوداً ومنذ عقود ولم تعد المدارس بيئة جاذبة وحاضنة للطلاب ومشجعة لنشاطاتهم اللامنهجية لإسهاماتهم المعرفية وإبداعهم وتميزهم الدراسي او خارج نطاق المناهج التي عاثت فيهم أيادي خبيثة تشويهاً وتغريباً فقد فَصمت التعليماتُ المشبوهةُ عامدةً متعمدةً عرى الإحترام المتبادل بين الطالب والمعلم وسلبت من المعلم دوره التربوي ولم يعد يستطيع كما في السابق التأثير إيجابياً وبشكل كبير على توجيه سلوكيات الطلبة توجيهاً إيجابياً يتماشى مع أصول التربية المستندة الى تعاليم ديننا الحنيف وقيم مجتمعنا وعاداته وتقاليده، وخلخلت هذه التعليماتُ التي تجاوزت الأنظمة والقوانين بنى المجتمع الاردني الطيب وتعدت على الأهداف النبيلة لإيجاد جيل مؤمن بربه وملتزم بتعاليم دينه ومنتم لوطنه وقضايا أمته . ولا زلنا نتحدث عن بيئة التعليم فالغرف الصفية مزدحمة في غالبية المدارس والمقاعد مستهلكة وضيقة وغير مريحة للجلوس ومتابعة الدرس والجدران متسخة ولا توجد مرافق صحية مؤهلة ونظيفة ولا تتوفر ساحات تكفي لأعداد الطلبة ولا تحتوي معظم المدارس على ملاعب ولا على قاعات ترفع مستوى الإداء التعلمي التعليمي وتُرّغب الطلاب للذهاب الى المدارس والبقاء فيها وقتاً آمناً اطول إضافة الى إيمان الطلبة وأولياء أمورهم بان مطالب المعلمين محقة وأن المعلم مظلوم ومهمش ويجب أن يستعيد أدواره وهيبته، إضافة الى قناعات الأهالي بأن الفساد استشرى وان قيمة التعليم أصبحت متدنية نتيجة وجود مئات آلاف خريجي الجامعات بلا أمل ودون عمل وطموح ينتظرون وظائف في (المشمش) لم تأتي منذ سنوات طويلة ولذلك يُحجم الطلاب عن تلبية نداءات الحكومة في الذهاب الى المدارس. ولا زلنا نتحدث عن واقع مدارس الحكومة ففي عطاءات الصيانة للمدارس لا تتوازى مبالغ العطاءات مع حجم العمل فقد تُرصد مبالغ بعشرات الآف الدنانير وربما بمئات الآلاف لصيانة مدرسة واحدة ولا يُصرف في الواقع عُشر هذه المبالغ على العطاءات التي يشوبها غالباً الغش والفساد وعدم مطابقة تنفيذ المتعهدين لشروط ومواصفات العطاءات وتتم بضياع المال العام دون مردود حقيقى وجدوى تساوي قيمة العطاءات ، وبشراء ذمم كثير من المراقبين الفاسدين والموظفين المسؤولين وبغياب رقابة حكومية حقيقية وبغياب محاسبة المقصرين ودون وجود مساءلة للفاسدين توقف إستنزاف المال العام . ازاء هذه الإطلالة على جُزء مؤلم من المشهد في الواقع التربوي المغتال والواقع التعليمي السيىء وبخاصة أوضاع المدارس والغرف الصفية والبيئة التعليمية فلا بد من مراجعة شاملة وتصحيح المسار والعودة عن الأخطاء الفادحة ولا بد من بناء مزيد من المدارس المؤهلة والتخلص من الأبنية المستأجرة ونظام الفترتين وعدم التفكير بخصخصة التعليم العام وبيع مدارس الحكومة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى