بين فلـم (الرسالة) ومسلسل (جـن) ..!
د. قـــدر الدغمي
الفن بصفة عامة أقوي عامل في تغير سلوك المجتمعات فكريا وهو احيانا أقوى من السلاح، ومن المعروف أن اليهود استثمروا بسخاء في صناعة السينما العالمية، ومن خلال (هوليوود) استطاعوا أن يكسبوا تعاطف الكثير من شعوب العالم، فكانت قضاياهم تنتشر على نطاق واسع وفي كل بقعة من بقاع الأرض، بداية من محرقتهم المعروفة اصطلاحاً بالكلمة اليونانية الشهيرة (الهولوكوست) وانتهاءً بتبرير جرائمهم في الأراضي العربية المحتلة.
ايضاً استطاع المخرج العالمي الراحل مصطفى العقاد أن ينجح في إخراج أكبر عمل سينمائي في التاريخ العربي يتكلم عن الدين الإسلامي والمعروف بـ فلم (الرسالة)، وهذا من الأشياء التي قد تشفع للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي في قبره وفي آخرته، حيث أنه الوحيد آنذاك من بين كافة حكام العرب الذي فتح خزائنه من أجل تمويل ذاك العمل التاريخي الجبار .. والذي كلّف ملايين الدولارات .
وتحضرني الذاكرة انني زرت احد الأصدقاء في بيته وهو متزوج من روسية – جديدة عهد بالإسلام – وكانت جداً سعيدة بمشاهدتها لذلك الفيلم والذي ترجم إلى العديد من اللغات، هذا بالإضافة إلى نسخته الأصلية باللغة الإنجليزية، والتي كانت من بطولة الممثل الشهير أنطوني كوين ، بطل فيلم عمر المختار ..! مسلسل (جن) .. لقد تابعت وقرأت كـ باقي أبناء الوطن عن تفاصيل المسلسل المسمى (جن) والذي كلّف مبالغ طائلة من الدولارات، والذي يعتبر أول مسلسل عربي تنتجه شبكة “نتفليكس” العالمية، ويضم 5 حلقات وتدور أحداثه حول “رحلة ميدانيّة إلى مدينة البتراء السياحية، يدخل خلالها جنيّ خيّر وجنيّة شرّيرة إلى عالم البشر، ويحوّلان مدرسة ثانويّة إلى ميدان للمعارك الخارقة” حيث يصور الشباب في حالات التنمر والحب والمراهقة المتقدمة وفيه من الألفاظ والمشاهد الخادشة للحياء ما يندى له الجبين ولو على افتراض أنها موجودة أصلاً ويتداولها الناس في حياتهم اليومية.
انتشار المسلسل وعرضه عمل على تصدع في الرأي العام، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره البعض خروجاً عن المألوف والعادات والتقاليد الأردنية والقيم العربية الأصيلة، وهو منبوذا جملة وتفصيلاً، ويجب محاسبة وملاحقة كل من له يد في تسهيل مهمته أو ترويجه، فيما أعتبره البعض الآخر تجسيداً للمخفي من السلوكيات المسكوت عنها في المجتمع، وهو جانب من حياة الناس يجب الإعلان عنه دون حياء أو تستر أو تعتيم. وعلى كل حال نلوم المؤسسات الرسمية التي وافقت وتنصلت في نفس الوقت من مسؤوليتها تجاه الرقابة على هذا العمل، لكن السؤال هل يا ترى نحن بحاجة ملحة لهذه الصناعة من المسلسلات في هذا الوقت وفي هذه المرحلة تحديداً ..؟ ونحن نعاني ما نعانيه من تردي للأوضاع الاقتصادية والمالية وانتشار ظاهرة الفقر والبطالة المخدرات والعنف والتطرف ..إلخ، لذا أرى من باب أولى وإن كان الهدف من هذا العمل معالجة تلك الظاهرة السلبية في حياة الناس فليس من الضروري تجسيدها وتمثيلها ونشرها بحذافيرها دفعة واحدة وبكل تفاصيلها وبهذا الشكل.